سجّل برنامج «فقه الانتماء والمواطنة» الذي تقيمه وزارة الشؤون الإسلامية في الطائف على مدي يومين مستهدفا أئمة المساجد والخطباء، تباينا واسعا في إلمام بعضهم بتحديات المرحلة التي باتت تهدد كل المجتمعات. وهي التحديات المتمثلة في مواجهة التكفير وتعزيز المواطنة والانتماء والسمع والطاعة وغيرها من القضايا.
«عكاظ» سجلت حضورها في الملتقى الذي أقيم في إحدى قاعات جامعة الطائف، ورصدت جملة مداخلات لعدد من الأئمة، ودعوة أحد الأئمة وزارة الشؤون الإسلامية بطباعة إصدارات جديدة منقّحة تفصّل الشبهات حول هذه القضايا والتأصيل شرعًا في بطلان بعضها، واجتثاث ما استكن من علل وعقد فكرية في أذهان الشباب.
الإمام روى تجربته كإمام وخطيب في منطقة عشيرة. مشيرا إلى عدم وجود منشورات من الوزارة تفصّل ما اشتبه في بعض القضايا وتأصيل بطلانها بشكل شرعي وعلمي دقيق يحصّن ويجتث ما التبس على صغار السن. دافعا بضرورة مبادرة الوزارة بتبني مقترحه بنشر منشورات لمواجهة التكفيريين وشرح كل النصوص المغلوطة التي يستندون عليها وتفنيد حججهم والرد عليهم بشكل علمي مبسّط يستقر بالفهم السريع لدى الناس.
الفاسدون لا يحضرون
تداخل إمام آخر بإثارة تساؤل أثار دهشة الملتقى: لمن نوجّه هذه الرسائل، والمسجد في اعتقاد البعض لا يأتي إليه الفاسدون، والذين يصلون ويحرصون على أداء الفروض من جماعة المسجد والحي!
الرد جاء سريعا من ملقي المحاضرة: إن محاربة الأفكار الضالة تأتي من البداية علينا أن لا ننتظر حتى تتكون الشجرة الخبيثة في نفسية المنحرف، والمعالجة لابد أن تبدأ مبكرا، وضرب مثلا بجريمة الخرج التي قتلت فيها أم على يد ولديها، وتبين أن الاثنين كانا يصليان في المسجد قبل أن ينقطعا عنه. كما تبين من دراسات ومعلومات عن موقوفين فكريا أن الشرارة التي انطلقوا منها كانت بسبب خطب ومواعظ حماسية كان يلقيها بعض الخطباء!
محاضرون بلا تصاريح
انشغل متداخل آخر بتصاريح جمعيات التحفيظ، والضوابط الرسمية لإقرارها، واستفسر آخر عن الذين يحاضرون في المساجد خصوصا بعد صلوات الجمعة ولا يحملون تصاريح. ويتساءل: في مثل هذه الحالات ما دور الإمام وكيف يتصرّف، فجاءه الإيضاح: إذا خرج عن سياق الموعظة وتشنج يتم نهيه، فإن لم ينته فيلجأ الإمام لفصل سلك المايكرفون.
البرنامج المقام في الطائف يستهدف تكريس فقه الانتماء والمواطنة وترسيخ عقيدة أهل السنة والجماعة في تعزيز مبدأ السمع والطاعة لولاة الأمر وإحياء الرابطة بين الراعي والرعية والمشاركة المجتمعية.
شرح مفاهيم الانتماء
ويستهدف البرنامج حث المجتمع على المحافظة على مكتسبات الدولة وتفعيل دور الدعاة والخطباء ومنسوبي المساجد وبيان الشبهات المثارة حول الانتماء والمواطنة والرد عليها وتعزيز رسالة المسجد. ويشارك في البرنامج رئيس حملة السكينة الدكتور عبدالمنعم المشوح والشيخ يوسف السعيد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام لتبيان حقيقة داعش وعقيدته والشيخ بدر طامي العتيبي مساعد مدير إدارة المساجد بالطائف لشرح مفاهيم الانتماء والشيخ عبدالعزيز الخليفة عضو لجنة المناصحة.
التحذير من مزالق الشر
الخليفة قدم أمس محاضرة عن دور الأئمة والخطباء والدعاة في تعزيز جانب الأمن الفكري وتطرق لأمور عدة منها دور المسجد في الإسلام ومكانة الإمام والخطباء باعتبارهم خط الدفاع الأول للأمن الفكري. مشيرا إلى أن إمام المسجد تبوأ مكانة عظيمة وتحمل مسؤولية كبيرة، فهو محط أنظار المأمومين وعليه يعقد المسؤولون الآمال الكبيرة ليكون مشعلا للنور ومصباحا للهداية يدعو للخير ويحذر من مزالق الشر باعتبار الإمام أحد وأهم وأسرع وسائل التأثير على المتلقي إذا أحسن الخطيب إعداده وصياغته وموضوعيته.
ويرى الخليفة أنه كلما كان الخطاب يحاكي الواقع الراهن وفق متطلبات العصر ولغته وبتأصيل شرعي كان الخطيب أسرع إلى الوصول إلى ذهن المستمع محذرا من حماس البعض سيّما وأن الحماس إذا لم ينضبط بالضوابط الشرعية ولم يكن موافقا للظرف الزماني والمكاني قد يجد من يتفاعل مع هذا الحماس من أصحاب العلم الضئيل أو من الشباب صغار السن. وبالتالي يقاس دور الخطيب في المسجد بردة فعل هؤلاء الشباب المتأثرين ببعض الخطب وهذا ما لا نتمناه.
شرارة الغلو بسبب خطبة
ويستدل الخليفة بما أثبتته المراجعات الفكرية مع بعض الموقوفين في أن الشرارة التي قدحت في نفسه كانت بسبب خطبة إمام مسجد يجهل عواقب الأمور، وهيمنت الحماسة عليه فيخرج الشاب من الخطبة مضطرب العواطف ويتسرب إليه شيء من اليأس الذي ربما قاده إلى التفكير بأمر لا تحمد عقباه، فبدل أن يكون هذا الإمام رحمة وسببا لهداية المتلقي وجمع الكلمة أصبح تأثيره سلبيا وسببا في انحراف ذلك المتلقي.
وينصح الخليفة بضرورة إعادة تأهيل بعض الخطباء والأئمة علميا وشرعيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا وإلحاقهم بالدورات المستمرة لتوجيههم بمعالجة قضايا الأمة وكشف الشبهات التي يحاول المنحرفون إضفاء الشرعية على أعمالهم ومبرراتهم الواهية. كما نصح الخطباء بعدم إطالة الخطبة وأن لا تتجاوز ربع ساعة، حتى لا تتشتت أذهان المستمعين بسبب طرق أكثر من موضوع.